منتديات بستان الزيتون
أسعدنا تواجدك بيننا بمنتديات بستان الزيتون ، على أمل أن تستفيدي و تفيدين
ننتظر تسجيلك و تفاعلك
فمرحبا بك بين أخواتك ، و نسئل الله لك بالتوفيق و النجاح و التميز
منتديات بستان الزيتون
أسعدنا تواجدك بيننا بمنتديات بستان الزيتون ، على أمل أن تستفيدي و تفيدين
ننتظر تسجيلك و تفاعلك
فمرحبا بك بين أخواتك ، و نسئل الله لك بالتوفيق و النجاح و التميز
منتديات بستان الزيتون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
البوابة*الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الأمنية في إدراك النية الجزء الثاني

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
غصن الزيتون

غصن الزيتون


اوسمة :
نقاط : 3676
تاريخ التسجيل : 15/07/2011

الأمنية في إدراك النية الجزء الثاني Empty
مُساهمةموضوع: الأمنية في إدراك النية الجزء الثاني   الأمنية في إدراك النية الجزء الثاني Emptyالأربعاء نوفمبر 09 2011, 21:29

الأمنية في إدراك النية
تأليف: أحمد بن إدريس المالكي القرافي



كتاب يبحث في قضية إسلامية مهمة وهي قضية النية، حيث بحث المصنف في حقيقة النية، ومحلها، وإيجابها في الشرع وتنبيهات في ذلك، ولم قال النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات ولم يقل إنما الأعمال بالإرادات، ولم وجبت النية في الذبائح وهي ليست من العبادات، وأمور أخرى في هذا الموضوع






هذالحكمة هي سبب اختلاف العلماء في اشتراط النية في رمضان والوضوء ونحوهما فزفر يقول في رمضان وأبو حنيفة يقول في الوضوء أنهما متعينان بصورتهما لله تعالى وليس لهما رتب فلا حاجة فيهما للنية
ومالك والشافعي رحمهما الله تعالى يقولان الإمساك في رمضان قد يكون لعدم الغذاء والمفطرات والوضوء قد يكون للتعليم والتجديد على سبيل الندب أو لرفع الحدث على سبيل الوجوب فاحتاجا إلى النية لتميز العبادة عما ليس بعبادة وامتياز الفرض عن الندب في الوضوء

تنبيه


وقع في المذهب إطلاقات متناقضة
قال الأصحاب صريح الطلاق وغيره غير محتاج للنية اتفاقا
وقال صاحب المقدمات في كنايات الطلاق صريح الطلاق مفتقر الى النية اتفاقا
وقال اللخمي في الإكراه على الطلاق في افتقار الصريح إلى النية قولان أصحهما أنه لابد في الصريح من النية وكون النية معتبرة في الصريح اتفاقا وغير معتبرة اتفاقا وفي اعتبارها قولان هذه إطلاقات كلها متناقضة ولا يجتمع منها اثنان بل متى صدق أحد هذه الثلاثة كذب اثنان منها
وتحقيقهما أن النية في المذهب من الألفاظ المشتركة بين القصد الخاص وبين كلام النفس فحيث قالوا الصريح لا يفتقر إلى النية إتفاقا معناه أن الصريح لا يفتقر إلى إرادة استعماله في مدلوله إلى نية كما يفتقر صرفة عن حقيقتة إلى مجازها أو عن عمومه إلى الخصوص إلى نية بل ينصرف بصراحته لمدلوله كما تقدم في القواعد الست
ومعنى قولهم إن الصريح يفتقر إلى النية اتفاقا أنه لا بد في الصريح من القصد غلى إنشاء الصيغة حذرا ممن أراد أن يقول يا طارق فقال يا طالق أو أراد أن يقول أنت منطلقة فقال أنت طالق لأنه التف لسانه وسبق لا يقصده لذلك فلا تناقض بين


اشتراط النية في إرادة النطق وبين عدم اشتراطها في انصراف اللفظ لمدلوله بعد النطق
ومعنى قولهم في اشتراط النية في الصريح قولان أن الكلام النفساني في اشتراط مقارنته للنطق اللساني قولان أي ينطق بقلبه كما ينطق بلسانه
وقد صرح به صاحب الجواهر
وعبر عنه صاحب الجلاب بعبارة أخرى فقال من اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه ففي لزوم الطلاق له قولان فسماه اعتقادا والكلام النفساني ليس من باب الاعتقادات والعلوم ولا من باب الارادات والعزوم إنما هو نوع مغاير لهما من أعراض القلوب
فظهر عدم التناقض بين هذه الثلاثة وأن لفظ الاعتقاد والنية ليس على ظاهرهما في الكلام النفساني
ومتى سمعت أن في الطلاق بالنية قولين فاعلم أن المراد الطلاق بالكلام النفساني وإلا فمن نوى طلاق امرأته أو اعتقده أو عزم عليه لا يلزمه طلاق باتفاق وإنما الخلاف إذا طلق بالكلام النفساني فاعلم ذلك وتفقد النية في مواردها إذا ثبتت أو سلبت أو أختلف فيها وما المراد بتلك النية فقد غلط فيها جمع كثير من الفقهاء ويمكنك أن تقول في الطلاق بالنية قولان وانعقد الإجماع على عدم لزوم الطلاق بالنية بناء على اختلاف المعنى في النية كما تقدم بيانه لتميز العبادة عما ليس بعبادة


الباب الخامس فيما يفتقر إلى النية الشرعية


ويتحرر ذلك بتقسيمين
التقسيم الأول الشريعة كلها إما مطلوب أو غير مطلوب وغير المطلوب لا يتقرب به إلى الله تعالى فلا معنى للنية فيه والمطلوب إما نواة أو أوامر
فالنواهي كلها يخرج الإنسان عن عهدتها بتركها وإن لم يشعر بها فضلا عن القصد إليها فمثاله زيد المجهول لنا حرم الله علينا قتله وماله وعرضه وقد خرجنا عن عهدة ذلك النهي وإن لم نشعر به وكذلك سائر المجهولات لنا من المحرمات
نعم إن شعرنا بالمحرم ونوينا تركه لله تعالى حصل لنا مع الخروج عن العهدة الثواب لأجل النية فهي شرط في الثواب لا في الخروج عن العهدة
والأوامر قسمان
1 قسم تكون صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته كأداء الديون والودائع والغصوب ونفقات الزوجات والأقارب فإن المصلحة المقصودة من فعل هذه الأمور انتفاع أربابها بها وذلك لا يتوقف على النية من حهة الفاعل فيخرج الإنسان عن عهدتها وأن لم ينوها
2 والقسم الثاني الأوامر التي لا تكون صورتها كافية في تحصيل مصلحتها المقصودة منها كالصلوات والطهارات والصيام


والنسك فإن المقصود منها تعظيم الرب سبحانه وتعالى بفعلها والخضوع له في إتيانها وذلك إنما يحصل إذا قصدت من أجله سبحانه وتعالى فإن التعظيم بالفعل بدون قصد المعظم محال كمن صنع ضيافة لإنسان فانتفع بها غيره من غير قصد فإنا نجزم بأن المعظم بها الذي قصد بالكرامة دون من انتفع بها من غير قصد
فهذا القسم هو الذي أمر فيه صاحب الشرع بالنية
وعلى هذه القاعدة يتخرج خلاف العلماء في إيجاب النية في إزالة النجاسة فمن إعتقد أن الله تعالى أوجب مجانبة الحدث والخبث حالة الوقوف بين يديه تعظيما له فيكون من باب المأمورات التي لا تكفي صورتها من تحصيل مصلحتها فتجب فيها النية
ومن إعتقد أن الله حرم ملابسة الخبث فتكون هذه من باب المنهيات فلا تفتقر إلى نية وهو الصحيح
والقسم الثاني الفعل ينقسم إلى ما يمكن أن يقع لله تعالى ولغيره وما لا يمكن أن يقع إلا لله تعالى وما لا يمكن أن يقع لله تعالى البتة فهذه ثلاثة فصول


الفصل الأول في التصرف الذي يمكن أن يقع لله تعالى ولغيره



وقد تقدم أن العبادات تفتقر إلى النية ودليل وجوبها
فيها وقد ظن بعض الفقهاء أن النية لا يعتبرها الشرع إلا في العبادات حتى سمعت كثيرا من الفضلاء يحد العبادة بأنها عبارة عما تشترط فيه النية ولذلك يجعلون الربع الأول أبدا من دواوين الفقه بعض العبادات لا يسمى بغير ذلك
وأشكل على جماعة منهم أشتراط النية في الذبائح مع أنها غير عبادة والتزم بعضهم أنها عبادة لأجل اشتراط النية فيها بناء على هذا الأعتقاد
وليس كما اعتقده بل قد يعتبر الشرع النية فيما هو فرض عين كالصلوات الخمس وفيما هو فرض كفاية كصلاة الجنائز من القربات وفيما هو فرض كفاية من غير القربات كاشتراط النية في ذكاة الحيوان فإن أكل لحوم الحيوان من فروض الكفاية لئلا تضعف العقول عن العلوم والأجساد عن ملاقاة الأعداء فتستأصل شأفة الإسلام وتفقد هداة الأنام
وقد تعتبر النية فيما ليس قربة من المحرمات فإن الإنسان إذا حفر بئر ليهلك فيها نبي من الأنبياء فإنه كافر تزول عصمة دمه ويخلد في النار أو ليقع فيها مؤمن فلا تزول عصمه دمه ولا يخلد في النار ويجب تعزيره وتفسيقه ولا يثبت الشرع أحد هذين الحكمين إلا بشرط أن ينوى سببه


وها أنا أبسط من موارد النية في نظر الشرع ما يمهد لك هذا البحث في عشرة انواع فهي مختلفة الحقائق متشابهة الأحكام إن شاء الله تعالى
النوع الأول ما اعتبر الشرع فيه النية لتميز المدلولات كالحالف أو الناذر بلفظ مشترك فالشرع إنما يوجب الكفارة أو الوفاء فيما نواه دون غيره
النوع الثاني صرف الألفاظ عن حقائقها المدلولات إلى مجازاتها كالحالف أو الناذر بلفظ عام أو مطلق وينوي به تخصيص ذلك العام أو تقييد ذلك المطلق فالشرع إنما يعتبر المجاز المنوي دون الحقيقة المدلولة
النوع الثالث صرف الألفاظ إلى بعض ما يصلح له بالنية كألفاظ الكنايات في الطلاق والعتاق والأيمان إلى بعض المحامل التي يصلح لها اللفظ في ذلك الباب ولا تترتب الأحكام الشرعية إلا على المنوي دون غيره
النوع الرابع صورة الذكاة في الحيوان المقدور عليه والعقر في الصيد دائرة بين سبب التحريم الذي هو المينة وبين سبب الإباحة الذي هو الذكاة الشرعية
فإذا نوى الذكاة الشرعية تخصصت الصورة الواقعة بسبب الحل دون سبب التحريم وان لم ينو شيئا لا يرتب الشرع الحل لعدم تعين سببه فإن الشرع كما شرع الأحكام شرع الأسباب وجعل لكل


مسبب معين حكما معينا فإذا دارت الحقيقة بين أسباب مختلفة تقتضي التحليل والتحريم وغير ذلك من الأحكام لم يرتب الشرع أحد الأحكام لعدم تعين سببه ويقع ها هنا في هذه الصورة التحريم لأن القاعدة الشرعية أن عدم سبب الإباحة سبب التحريم وعدم سبب التحريم سبب الاباحة كما أن عدم الاسكار الذي هو سبب التحريم سبب الأباحة وعدم العقد في النساء الذي هو سبب الاباحة سبب التحريم وعدم ها هنا سبب الأباحه وهو قصد الذكاة الشرعية فيثبت التحريم فما رتب الشرع التحريم في هذه الصورة إلا لوقوع سببه الذي هو عدم سبب الإباحه على ما تقدم
النوع الخامس الذكاء الشرعية دائرة بين سبب أصل الحل في الأكل وبين سبب التقرب بالضحايا والهدايا وسبب براءة الذمة من هدى أو فدية أو نذر حتى ينوي أحدها فيرتب الشرع عليه حكمه لتعيين سببه
6 النوع السادس صورة دفع المال للمساكين دائرة بين سبب أصل التقرب الذي هو صدقة التطوع وبين سبب براءة الذمة من الزكاة الواجبة وبين سبب براءة الذمة من نذر واجب
وإن كان المدفوع مدا دار أيضا بين ذلك وبين البراءة من كفارة اليمين أو الظهار أو جزاء الصيد أو كفارة إفساد الصوم فإذا نوى الدافع أحد هذه الأسباب رتب الشرع عليه مسببه وإلا فلا يرتب شيئا إلا الإباحة بخلاف ذكاة الحيوان ترتب عند عدم النية التحريم
والفرق أن الشرع عين لإباحة الحيوان سببا وهو قصد الذكاة الشرعية وقد عدمت
وقد تقدم أن القاعدة المتفق عليها أن عدم الإباحة علة التحريم وقد عدمت فيترتب التحريم وسبب الاباحة هنا المملك للمال


ومن ملك مالا جاز له دفعه لمن شاء فسبب الإباحة موجود عند عدم النية فترتبت الإباحة
وينبغي أن يفهم من هذه القاعدة المشار إليها أن علة الطهارة في الأعيان عدم علة النجاسة فيها لأن الطهارة والنجاسة حكمان شرعيان يفتقران إلى سببين شرعيين وعلة النجاسة الاستقذار فعدم الاستقذار علة الطهارة والنجاسة راجعة إلى تحريم الملابسة في الصلاة والأغذية والطهارة في العين إباحة ملابستها في ذلك ما لم يمنع مانع
وقد بسطت هذا المبحث في أول كتاب الذخيرة سؤالا وجوابا وتقريرا
7 النوع السابع
دفع الدين للمستحق وعليه دينان أحدهما برهن والآخر بغير رهن فإن ذلك الدفع يصلح سببا لبراءة الذمة من دين الرهن ومن الدين الآخر فإذا نوى الدافع أحدهما رتب الشرع عليه براءة ذمته منه وإن كان المنوي دين الرهن فله أخذ الرهن في نفس الأمر دون الحكم في القضاء
8 النوع الثامن
صرف السبب لآحد محامله الصالح لها كقوله عمرة طالق أو حرة وله إمرأتان أو أمتان مسميتان بهذا الاسم فإن هذا اللفظ سبب صالح لتحريم كل واحدة منهما أو لعتقهما فإذا نواها تعينت ومن ذلك معاقدة الوكيل لا تصلح لإفادة الملك له ولموكله ولا ينصرف لموكله إلا بنية لأن الأصل والغالب معاقدة الإنسان لنفسه
9 النوع التاسع
صورة الجلد سبب صالح لبراءة ذمة الإمام من إقامة الحد والتعزير ولا ينصرف لأحدهما في حق من وجب عليه إلا بالنية - النوع العاشر
الفعل المختلف فيه بالتحريم والإباحة والوجوب إذ وقع من المقلد سبب صالح للتأثيم إن قلد القائل بالتحريم وصالح لتحصيل ثواب الواجب ان قلد القائل بالوجوب ولا يترتب عليه أحد الأمرين إلا بالنية إذا استويا في الشهرة فإذا اشتهر أحدهما وكان الآخر في غاية الخفاء أو دليله في غاية الضعف تعين ما قوي دليله من غير نيه
وقد بسطت هذه المسألة في تنقيح الفصول في علم الأصول في باب الاجتهاد
فهذه الأنواع السبعة الأخيرة النية فيها لتمييز الأسباب وفي الثلاثة الأولى لتمييز الألفاظ وأبواب النية كثيرة في الشريعة والمقتصر على هذا القدر ففيه كفاية ا


تنبيه


على الجواب عن السؤال الثاني في صدر الكتاب وما يحتاجه الفقيه من اليقظة في مثل هذا وغيره تنبيه
كون النية مميزة ليس ذلك سبب ورود الشرع به ذلك لها لذاتها وحقيقتها كما أن جعل العلم كاشفا ليس بجعل الشرع له بل ذلك من قبل الأسرار الربانية وإن كانت الحقائق إنما وجدت على خصائصها بالقدرة الإلهية وكما كانت النية متميزه بذاتها اعتبر الشرع ذلك التمييز في مواطن ولم يعتبره في مواطن وتلك المواطن التي اعتبرها الشرع فيها عبادات وغير عبادات فالتابع لأدلة الشرع هو اعتبارها لا تمييزها فتأمل ذلك فهو حسن


الفصل الثاني فيما لا يمكن أن يقع من التصرف إلا لله تعالى



وهذا القسم هو نية التقرب وقصد العبادة لله تعالى والإيمان به وتعظيمه وإجلاله والخشوع بالقلب لكبريائه والخوف من سلطانه والتوكل على إحاطة قدرته ونحو ذلك من أعمال القلوب المتعلقة بالله تعالى
فهذا القسم لا يفتقر الى نية لتعينه وتمييزه بذاته تعالى والنية إنما تحتاج مع المتردد لتمييز المتردد لأحد جهاته المتردد بينها


الفصل الثالث فيما لا يمكن أن يفعل لله تعالى



عند البلوغ على الخلاف
وهو النظر الأول الذي هو أول الواجبات عند البلوغ على الخلاف هل هو أول الوجبات أم لا وعلى جميع الأقوال يستحيل فيه أن يكون وقع قربه لله تعالى ويقصد به التقرب
وها هنا ورد السؤال الثالث المذكور في أول الكتاب
فقيل كيف يتعذر التقرب به مع أن غاية الناظر ان يشك في أن له صانعا أوجب عليه النظر أم لا وهل هذا النظر واجب عليه أم لا وإذا كان غايته الشك والشك لا يمنع من قصد التقرب لوقوعه في الشريعة في عدة مواضع بالإجماع كمن شك هل صلى أم لا فإنه يصلي وينوي بتلك الصلاة الواقعة مع الشك في وجوبها وينويها قربة لله تعالى وكذلك من نسى صلاة يوم وليلة لا يدري عينها فإنه يصلي خمس صلوات وينوي بها التقرب مع الشك في وجوب كل واحدة منها عليه وقد تقدم بسط هذا في أول الكتاب
فعلم الشك لا ينافي التقرب فيكون ما أجمع عليه الناس من ان النظر الأول لا يمكن ان ينوي به التقرب باطل
والجواب ان الله تعالى شرع الأحكام وشرع لكل حكم سببا وقد يكون للسبب الواحد أحكام كثيرة كما أن لالتقاء الختانين نحو الستين حكما بسطتها في كتاب الذخيرة وقد يكون للحكم


الواحد عدة أسباب كإيجاب الوضوء بنحو عشرة أسباب وهل يوجد حكم بلا سبب
حصل للغزالي في المستصفى فيه تردد وإذا تقرر أن الأسباب مشروعة فاعلم أنه من جملة ما شرع الشارع من الأسباب الشك فجعل الشرع الشك سببا في صور
1 - أحدها قوله عليه السلام من شك في صلاته فلم يدر أصلى ثلاثا أو أربعا جعلها ثلاثا وأتى بركعة وسجد سجدتين
والقاعدة أن ترتيب الحكم على الوصف يدل على عليه ذلك الوصف لذلك الحكم نحو من سها سجد ومن سرق قطع ومن زنى جلد


وها هنا رتب الشرع إيجاب الركعة المأتي بها بعد الشك والأمر بالسجدتين على الشك فيكون الشك هو سببها وأيضا لا يمكن أن نقول السجود لأجل الزيادة لأنها غير معلومة ولا مظنونه ولا للنقصان لأنه غير معلوم ولا مظنون لأن التقدير وقوع الشك في العدد فتعين إضافة السجود لسبب آخر غير الزيادة ولانقص وهو الشك فيكون الشك هو المنصوب سببا للركعة والسجود
2 - وثانيها إذا شك في صلاة من يوم وليلة أو تيقن نسيانها وشك في عينها فإنه يجب عليه خمس صلوات
فنقول هذه الصلوات نصب الشرع لها أسبابا عامة وسببا خاصا أما الأسباب العامة فهي أوقاتها من طلوع الفجر والزوال وآخر القامة والغروب في الشمس والشفق والتبسب الخاص هو الشك لا يجب به على جميع الناس إلا على من عرض له الشك في أحدها والتسبت عليه فيجب عليه بسبب الشك في واحدة منها جميعا فسببها الشك
3 - وثالثها أن يشك في أخته من الرضاع أو النسب مع أجنبيه أيتهما أخته جعل الشرع الشك سببا لتحريمها عليه
4 - ورابعها من شك في ثوب نجس مع طاهر حرم عليه الصلاة بهما على الخلاف في الصورتين ولكن متى قلنا بالمنع فقلنا السبب الشك وهو المقصود ها هنا من أن الشرع نصب الشك سببا
5 - وخامسها إذا شك في ميتة مع مذكاة أيتهما المذكاة حرمتا عليه بسبب الشك ونظائره كثيرة لا أطول بها
إذا تقرر أن الشرع نصب الشك من جملة الأسباب فالمتقرب في صورة تلك الشكوك بالواقعة في الشريعة قاطع جازم بالوجوب عليه لانعقاد الإجماع في وجوب تلك العبادات عليه إن كان فيها إجماع وإن لم يكن فيها إجماع بل دليل وأمارة وقد تقرر في أصول الفقه


ان الاحكام الشرعية كلها معلومه بسبب انعقاد الإجماع على أن كل مجتهد إذا غلب على ظنه حكم فهو حكم الله تعالى في حقه وحق من قلده إذا اتصف بسببه وان كان قاطعا بالوجوب عليه فنقول الشكوك الواقعه في الشريعة التي وقع فيها التقرب الموجب فيها معلوم وهو الله تعالى والموجب معلوم الوجوب وهو الفعل والسبب المقتضي للوجوب معلوم وهو الشك ودليل الوجوب معلوم وهو الاجماع فجميع الجهات معلومه والشك ليس في شيء منها بل هو نفس السبب لا أنه شك في السبب والفرق بينهما ضروري
وفي المسألة النظر الموجب مشكوك فيه عند المبتديء للنظر والموجب الذي هو الفعل مشكوك في وجوبه وسبب الوجوب مشكوك في نصبه وتعيينه ودليل الوجوب مشكوك في خصوصه فجميع الجهات مشكوك فيها والتي وقعت في الشريعة جميعها معلوم فظهر الفرق العظيم وأمكن القصد للتقرب الواقع في الشريعة دون النظر الأول ولم ينعقد الإجماع في تعذر القصد بالتقرب في النظر الأول إلا على الصواب وهو المطلوب فاندفع السؤال الثالث دفعا بينا


الباب السادس في شروط النية وهي ثلاثة



1 - الشرط الأول
ان تتعلق بمكتسب للناوي فإنها مخصصة وتخصيص غير المفعول المكتسب للمخصص محال ولذلك امتنع نية الإنسان لفعل غيره لأنه غير مكتسب له
وأشكل على هذا الشرط نية الإمام للأمامة فإن صلاته حالة الأمامة مساوية لصلاته حالة الانفراد فهذه النية لا بد لها من متعلق مكتسب ولا مكتسب فيشكل
وأجاب عنه بعض العلماء بأن النية يشترط فيها أن تتعلق بمكتسب للناوي استقلالا أو بما يكون تابعا للمكتسب وإن لم يكن مكتسبا كما يتعلق بالوجوب في صلاة الفرض والندب في صلاة الضحى ونحو ذلك وليس الوجوب والندب بمكتسبين للعبد فإن الإحكام الشرعية واجبة الوجود قديمة صفة الله تعالى وإنما حسن القصد إليها تبعا للقصد المكتسب فكذلك الإمامة وإن لم تكن فعلا زائدا على الصلاة مكتسبا إلا انها متعلقة بمكتسب وتابعة له فأمكن القصد إليها تبعا كالفرض والنفل ونحوهما ومن هذا الباب الإضافة الى الأسباب في الصلوات والكفارات ونحوها وليست مكتسبة وإنما المكتسب الفعل المرتب على السبب والسبب قد يكون مكتسبا وقد لا يكون مكتسبا
وأما الإضافة للسبب فنسبة وإضافة والنسب لا وجود لها في الأعيان


عند المحققين وما لا وجود له في الخارج فلا يستحيل إيقاعه في الخارج فلا يكون مكتسبا مع أنه منوي
ومن هذا الباب ما تقدم من إضافة الأسباب الى بعض الأحكام وإضافة بعض الألفاظ الى بعض مدلولاتها فإنها ليست بمكتسب بل المكتسب اللفظ والسبب وأما الإضافة المنوية فلا
فهذه كلها نقوش على هذا الشرط وتندفع بأنها تبع لمكتسب
2 - الشرط الثاني أن يكون المنوي بها معلوما أو مظنون الوجوب فإن المشكوك تكون النية فيه متردده فلا ينعقد ولذلك لا يصح وضوء الكافر ولا غسله قبل اعتقاد الاسلام لأنه عنده غير معلوم ولا مظنون
وقد تقدم في الباب الخامس الجواب عما وقع في الشريعة من القصد للتقرب بالمشكوك وأن الوجوب ثمة معلوم لا مشكوك
ووقع في المذهب فروع أخر
1 - أحدها لو شك في طهارته وقلنا لا يجب عليه الوضوء أو كان شكه غير مستند الى سبب فتوضأ في الحالتين احتياطا ثم تيقن الحدث ففي وجوب الإعادة عليه قولان وأما لو قلنا بوجوب الوضوء عليه فإنه معلوم فلا يرد
2 - ثانيها لو توضأ مجددا ثم تيقن الحدث فالإجزاء للأشهب وعدمه لسحنون


2 وثالثها لو أغفل لمعة من الغسله الأولى وغسل الثانية بنية الفضيلة ففي الإجزاء قولان
3 - الشرط الثالث
أن تكون النية مقارنة للمنوي لأن اول العبادات لو عرى عن النية لكان أولها مترددا بين القربة وغيرها وآخر الصلاة مبني على أولها وتبع له بدليل ان اولها إذا نوى فرضا أو نفلا أو قضاء أو أداء كان آخرها كذلك وكذلك إذا كان أولها مترددا كان آخرها مترددا
هذا إن تأخرت النية فإن تقدمت على أولها ولم تقارن وقعت العبادة كلها مترددة فإن ما لا يقارن الشيء لا يخصصه ولا يميزه بدليل جميع المشخصات كالجماد والنبات والحيوان وجميع الأفعال
واستثنى من هذا الشرط الصوم للمشقة في المقارنة لإتيان أول الصوم حالة النوم غالبا والزكاة في الوكالة على إخراجها عونا على الإخلاص ودفعا لخجل الفقير بالأخذ فتقدم النية عند الوكالة ويتأخر الأخراج المنوي
قال صاحب الطراز وجواز ابن القاسم تقدم النية عندمايأخذ في اسباب الطهارة بذهابه للحمام والنهر بخلاف الصلاة وخالفه سحنون في الحمام ووافقه في النهر لأن النهر لا يؤتى غالبا إلا لذلك بخلاف الحمام فإنه يؤتى للتنعم والنظافة فلا تتميز العبادة فيه وقيل بعدم الإجزاء في الموضعين نظرا لتقدم النية


الباب السابع


في اقسام النية
النية قسمان فعليه موجوده وحكمية معدومه فإذا نوى المكلف أول العبادة فهذه نية فعليه ثم إذا ذهل عن النية حكم صاحب الشرع بأنه ناو ومتقرب فهذه هي النية الحكمية أي حكم الشرع لصاحبها ببقاء حكمها لا أنها موجوده وكذلك الإخلاص والأيمان والكفر والنفاق والرياء وجميع هذا النوع من أحوال القلوب إذا شرع فيها واتصف القلب بها كانت فعليه وإذا ذهل عنها حكم صاحب الشرع ببقاء أحكامها لمن كان اتصف بها قبل ذلك حتى لو مات الأنسان مغمورا بالمرض حكم صاحب الشرع له بالأسلام المتقدم بل بالولاية أو الصفة كيفية وجميع المعارف المتقدمة وإن لم يتلفظ بالشهادة عند الموت وعكسه حكم له بالكفر والنفاق وجميع مساوي الأخلاق وإن كان لا يستحضر منها شيئا عند الموت ولا يتصف بها بل يوم القيامة الأمر كذلك ومنه قوله تعالى
إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى مع أن أحدا لا يكون يوم القيامة مجرما ولا كافرا ولا عاصيا لظهور الحقائق عند الموت وصار الحق ضروريا ولم تبق العقول متمكنة من الجهالات لقوة الظهور بل معناه يكون محكوما له بالإجرام كما يحكم لغيره بالأيمان
واكتفى صاحب الشرع بالأيمان والإخلاص والنية الحكمية للمشقه في استمرارها بالفعل قال سند لو عزل زكاته بعد وزنها للمساكين


ودفعها بعد ذلك لهم بغير نية أجزأه اكتفاء بالنية الحكمية ولم يشترط الشرع والأيمان الفعلي أول العبادات لصعوبة الجمع وأفردت النية دونه لأنها مستلزمة له من غير عكس ثم إن الأكتفاء بالنية الحكمية بشرط عدم المنافي ففي المدونة لو توضأ وبقيت رجلاه فخاض بهما نهرا ومسح بيده رجليه في الماء ولم ينو بذلك غسل رجليه لا يجزيه غسل رجليه قال سند يريد إذا قصد بذلك إزالة القشب دون الوضوء
وقال صاحب النكت معناه إذا ظن كمال وضوئه فرفض نيته أما لو بقي على نيته والنهر قريب أجزأه
وقال سند النية الحكمية تتناول الفعل ما لم تتناوله النية الفعليه بخصوصه لأن الخاصة به أقوى كما لو قام لركعة وقصد بها خامسة وهي رابعة فسدت الصلاة أو صام في الصوم المتتابع يوما ينوي به النذر بطل التتابع
وقال المازري رحمه الله تعالى تكفي النية الحكمية في العمل فلو نسي عضوا وطال ذلك جدد النية لأن الحكمية على خلاف الأصل فتختص بالمتصل وكذلك من خلع خفيه وشرع في غسل رجليه


الباب الثامن


في أقسام المنوي واحكامه
المنوي من العبادة ضربان
1 - أحدهما مقصود في نفسه كالصلاة
2 - والثاني مقصود لغيره وهو قسمان
1 - أحدهما مع كونه مقصودا للغير فهو أيضا مقصود في نفسه كالوضوء فإنه نظافة مشتملة على المصلحة وهو مطلوب للصلاة مكمل لحسن هيئاتها في الوقوف بين يدي الرب تعالى على أحسن الهيئات
2 - والثاني مقصود لغيره فقط كالتيمم ويدل على ذلك أن الشرع أمر بتجديد الوضوء دون التيمم والمقصود بالنية إنما هو تمييز المقصود لنفسه لأنه المهم فلا جرم إذا نوى التيمم دون استباحة الصلاة فقولان للعلماء
1 - أحدهما لا يجزيء لكونه نوى ما ليس بمقصود في نفسه
2 - والثاني يجزيء لكونه عبادة والذي هو مقصود لنفسه ولغيرة يتخير المكلف بين قصده له لكونه مقصودا في نفسه وبين قصده لمقصوده دونه فالأول كقصده الوضوء والثاني كقصده استباحة الصلاة فإن نوى الصلاة أو شيئا لا يقدم عليه إلا بارتفاع الحدث الذي هو الاستباحة - صح لا ستلزام هذه الأمور رفع الحدث وفي الفقه فروع كثيرة متعلقه بهذا البحث من أرادها راجع الذخيرة


الباب التاسع


معنى قول الفقهاء المتطهر ينوي رفع الحدث
أعلم أن الحدث له معنيان في اصطلاح الفقهاء
1 - أحدهما الأسباب الموجبة للوضوء ولذلك يقولون لها أحداثا وأسباب أحداث إذا وجد منه ما يوجب الوضوء
2 - وثانيهما المنع المترتب على هذه الأسباب فإن من صدر منه سبب من هذه الأسباب منعه الله تعالى من الإقدام على العبادة حتى يتوضأ
ولا أعلم للحديث معنى ثالثا والقصد لرفع الحديث الذي هو السبب محال لاستحالة رفع الواقع فيتعين أن يكون المنوي هو المنع وإذا ارتفع المنع ثبتت الإباحة
فيظهر بهذا البيان بطلان القول بأن التيمم لا يرفع الحدث فإن الإباحة حاصلة به فيكون الحدث مرتفعا ضرورة وإلا اجتمع المنع مع الإباحة وهما ضدان
سؤال إذا كان الحدث منعا شرعيا والمنع حكم الله تعالى وحكمه قديم واجب الوجود فكيف يتصور رفع واجب الوجود
وجوابه هذا السؤال عام في سائر الأحكام المحكوم بتجددها عند الأسباب كارتفاع التحريم في المرأة بعقد النكاح وارتفاع الإباحة فيها بالطلاق وكذلك سائر الموارد الشرعية


والجواب عنه في الجميع أن الحكم مرتفع ومتجدد باعتبار تعلقه لا باعتبار ذاته والتعلق عدمي يمكن ارتفاعه وإن كان قديما فإن القديم إنما يستحيل رفعه إذا كان موجودا وإلا فعدم العالم قديم وقد ارتفع

تنبيه



الأحكام الشرعية لا تزيد على خمسة الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة
وأكثر الفقهاء لا يعقلها في مواردها لتغير اللفظ عليه فإذا سمع الطهارة لا يعقلها وهي راجعة الى الإباحة
وإذا سمع النجاسة لا يعقلها وهي راجعة الى التحريم وإذا سمع الحدث لا يعقله وهو راجع التحريم
وإذا سمع المندوب لا يعقله وهو راجع الى الأباحة الممكنة من التصرف وإذا سمع فساد العقد لا يعقله وهو راجع للتحريم وهو المنع من التصرف في المعقود عليه من عين أو منفعة وإذا سمع الطلاق لا يعقله وهو راجع للتحريم وإذا سمع العتق لا يعقله وهو راجع الى إباحة المنافع للعبد بعد حجر الرق وإذا سمع الجنابة لا يعقلها وهي راجعة الى تحريم ملابسه العبادات ومواطن القربات في المساجد وغيرها وإذا سمع صحة العقود لا يعقلها وهي راجعة للأباحه وهي الإذن في التصرف في المعقود عليه والفرق بينها وبين الملك أعم لترتيبه على الإرث حيث انتفت الصحة في العقود ويترتب على الأسباب الفعليه كالاحتطاب والاعتشاب والصيد ونحوه ولا توصف هذه الأسباب بالصحة ولذلك تتقرر مفيده للملك من نحو من لا يتصور منه العقود الصحيحة كالصبي والسفيه والمجنون وفي الملك مزيد بيان ذكرته في كتاب البيوع فإنه مشكل إذا قصد اقتياسه بحد جامع مانع لكثرة ما يرد عليه من النقض في حدوده


وهذه النظائر كثيرة في أبواب الفقه وإذا قيل لأكثر الفقهاء ردها الى أحد الأحكام الخمسة عسر عليه وإذا فسرت له وجدت ظاهره لا ينكرها وليس فيها صعوبة غير أن التفطن لذلك يعسر قبل ذكره فطالما سألت الفقهاء عن الحدث والطهارة والنجاسه فلا يجيبون فإذا بينتها لهم وجدوها سهله فليكن لك بهذا التنبه يقظه على هذه الأمور في مواردها بحيث تجيب عنها بسهوله والله تعالى هو الخالق لما يشاء من الخير في قلوب عباده الباب العاشر


فيما يقوله الفقهاء من ان النية تقبل الرفض مع ان رفع الواقع مستحيل
قال صاحب الطراز إذا رفض النية الحكمية بعد كمال الطهارة قال مالك لحصول المقصود منها وهو التمييز حالة الفعل وعنه فساد العبادة لأنها جزء الفعل وذهاب الجزء يفسد فتفسد الطهارة
قال صاحب النكت إذا رفض النية في الطهارة أو الحج لا تضره بخلاف الصلاة والصوم
والفرق ان المراد بالنية التمييز وهما متميزان بمكانهما وهو الأعضاء في الوضوء والأماكن المخصوصة في الحج فكان استغناؤهما عن النية أكثر فلم يؤثر الرفض بخلاف الصلاة والصوم
قال العبدي في مختصره في كل مسأله من هذه الأربع قولان والمشهور الإجزاء في الوضوء والحج والمسح بخلاف الصلاة والصوم وحكى الخلاف فيها بعد إيقاعها كما حكاه المازري في الطهارة وحينئذ


يتجه الأشكال كيف يقال يرتفع الشيء بعد وقوعه أو يقع ويرتفض ورفع الواقع محال عقلا فمن نوى كيف يمكن أن يكون ما نوى في الزمان الماضي بعد أن وقعت فيه النية وجميع ما يقع في الأزمنه الماضية كيف يتصور ارتفاعه عنها
فإن قلت هذا من حيث العقل وأما في الشرع فللشرع ان يحكم بما يريده
قلت القاعدة المعلومة أن الشرع لا يرد بخلاف العقل بل جميع واردات الشرائع يجب انحصارها فيما يجوزه العقل وجودا وعدما فيرد الشرع بترجيح أحد طرفيه وجوده أو عدمه أو يسوى بينهما وهو الإباحة
وللرفض في النية بعد وقوعها نظائر في الأشكال من جهة رفع الشيء بعد وقوعه
1 - أحدها قول الفقهاء اختلف في الرد بالعيب هل هو فسخ للعقد من حينه أو من أصله فأما من حينه فهو تيسير وأما قولهم من أصله فهو رفع للواقع في الزمان الماضي وهو محال
فإن قلت المرتفع الأحكام المترتبة على لفظ العقد لا على نفس العقد قلت الأحكام واقعة في الزمان الماضي قبل الرد بالعيب فإن كان رفع الواقع محالا فرفعها محال وإن لم يكن محالا فلا فرق بينهما وهو الجواب
2 - وثانيها قول الفقهاء إن قال لامرأته إن دخلت الدار آخر الشهر فأنت طالق من أوله
قال جماعة من الفقهاء المالكية وغيرهم إنها إن دخلت آخر الشهر وقع الطلاق من أوله مع أن العصمة كانت واقعه من أوله الى آخره إجماعا والواقع بالإجماع إذا تحقق في الزمان الماضي قبل الدخول كيف يرتفع بعد الدخول


3 - وثالثها قول الفقهاء إذا مات المقتول ورثت عنه ديته ويوقع الشرع الملك قبل موته بالزمان الفرد ليصح التوريث لتعذر الملك بعد الموت وما لا يملك قبل الموت لا يورث بعده فلذلك يتعين إثبات الملك قبل الموت بالزمان المفرد وإلا كان عدم الملك ثابتا بالإجماع فإذا ثبت الملك قبل الموت بالزمان نقضي برفع عدمه من ذلك الزمان من الكائن قبل الموت بالزمان الفرد إن قضيت اجتماع الوجود مع العدم وهو اجتماع النقيضين محال عقلا فحينئذ أحد الأمرين لازم إما اجتماع النقيضين أو رفع الواقع وكلاهما محال عقلا
4 - ورابعها قول الفقهاء إذا قال له أعتق عبدك عني فأعتقه عنه أجزأ عن كفارته وثبت الولاء للمعتق عنه بالزمن المفرد وأثبتنا الملك للمعتق عنه قبل العتق عنه بالزمان الفرد حتى يترتب العتق عنه على ملكه فيصح له الولاء فيتعذر ثبوت الولاء مع عدم الملك
فنقول عدم الملك كان ثابتا قبل العتق عنه في حقه إجماعا فإذا أثبتنا الملك في ذلك الزمان نفينا أن يبقى معه عدم الملك في عين ذلك الزمن أو نرفعه فإن نفيناه اجتمع النقيضان وإن لم ننفه ارتفع الواقع وهو محال ويلزم أحد الأمرين المحالين كما تقدم في مسأله الدية 4 - وخامسها قول المالكية إن الردة تبطل الحج والطهارة والطلاق الثلاث الواقع قبلها ويصير كالكافر الأصلي لم يقع شيء منه من هذه الأفعال لأن الردة تجدد عليه التكليف بحج آخر ولا تجدد أمثال ما وقع في الزمان الماضي
بل قالوا الردة ليست مجددة للتكليف بل مبطله لما وقع ولو قالوا إن الثابت في الزمان الماضي لم يتعين بل تجدد تكليف بالردة لم يرد الإشكال بل جعلوا الردة مبطلة لما وقع في الزمن الماضي حتى جوزوا العقد على المبتوته بالطلاق الثلاث قبل زوج بناء على بطلان الطلاق الثلاث لا بناء على أن المرتد أباح الله تعالى له العقد قبل زوج وجعله أسعد حالا من غير المرتد وحاشا لله أن يكون المرتد أسعد حالا من الباقي على الدين القويم وإن كان مراد الفقهاء الإبطال بالزمان الماضي


فنقول الصحة كانت حاصلة في الزمان الماضي إجماعا فالقضاء بعدها إما أن يكون مع بقاء الصحة أم لا فإن كان مع بقاء الصحة اجتمع النقيضان أولا مع بقائها فقد ارتفع الواقع ويلزم أحد الأمرين المحالين كما تقدم في الدية وغيرها
6 - وسادسها الصبي إذا زالت عليه الشمس وصلى الظهر مندوبة في حقه ثم بلغ بعد ذلك ثبت الوجوب عليه مرتبا على الزوال ويلزم ان يصلي الظهر مرة أخرى واجبة فهذا الوجوب إن أثبتناه مرتبا على ذلك الزوال مع الندب الذي كان مرتبا عليه بالإجماع اجتمع الضدان فإن الأحكام الشرعية الخمسة أضداد لا يجتمع منها اثنان وإن قضينا بارتفاع الندب فقد رفعنا الواقع وأن أثبتناها بالنسبة الى التعلق فقد قلنا إن الزوال يقتضي صلاتين وهو خلاف الإجماع فيلزم أحد أمور ثلاثة محالة وهي
أما اجتماع الضدين أو ارتفاع الواقع أو خلاف الإجماع
7 - وسابعها المرأة إذا زالت عليها الشمس ثم حاضت آخر الوقت وقد بقي مقدار عشر ركعات فإن الصلاتين يسقطان عنها وقد أنعقد الأجماع قبل طرو الحيض على الوجوب عليها فعدم الوجوب في آخر الوقت إن كان مع بقاء الواجب المقضي به أول الوقت فيجب عليها القضاء لذلك الواجب الذي لم تفعله ولم تصل به حيث قلنا بالسقوط وإن كان لا مع بقاء ذلك الواجب فقد رفعنا ما قضينا بثبوته قبل الحيض وهو رفع الواقع بعد وقوعه في الزمان الماضي
8 - وثامنها إذا طهرت آخر الوقت قضينا بوجوب الصلاة عليها مع أنا كنا قضينا بعدمها أول الوقت اعتبارا للمانع الذي هو الحيض فإن الحيض وكل مانع سبب للعدم كما أن كل سبب يقتضي الثبوت فقضاؤنا بالثبوت إن كان مع بقاء ذلك العدم فقد اجتمع النقيضان وإن كان لا مع بقاء ذلك العدم فقد قضينا برفعه فيلزم رفع الواقع ورفع الواقع محال سواء أكان عدما أو ثبوتا فإن عدمنا نحن في زمن الطوفان يستحيل الآن رفعه لكونه واقعا في الزمان الماضي


9 - وتاسعها المسافر اذا قدم آخر الوقت زاد في فرضه ركعتان القضاء بعدهما لما تقدم وإذا سافر به آخر الوقت سقط من فرضه ركعتان بعد القضاء بثبوتهما وكذلك بقية أرباب الأعذار والله أعلم
10 - وعاشرها إذا حلف بالطلاق أو غيره على أنه ليشربن خمرا أو ليغسلن محرما قال أصحابنا يحنث عقب حلفه لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا فهو كما حلف ليقومن اليوم فلم يقم فإن تجرأ وفعل المحرم لم يلزمه طلاق ولا كفارة ولا شيء مما كان يلزمه مما حلف به فنفرض أنا أفتيناه بالحنث ولزم الطلاق فاعتدت امرأته وتزوجت وولدت أولادا ثم فعل الحالف ذلك المحرم فإنا نقضي ببره بناء على ظاهر النقل عن المذهب وتحل له امرأته بغير عقد جديد
فهذا الحل اللاحق إن أثبتنا معه الحرمة السابقه والحل للأزواج فقد اجتمع الضدان الحل والحرمة وإن رفعنا الحرمة السابقة فقد رفعنا الحكم بعد وقوعه ويلزمنا أن نقضي بتحريم وطء الزوج الثاني وأنه لم يكن مباحا له العقد عليها ويتجه القول في الحد والأولاد هل تم شبهة تسقط الحد وتلحق النسب أم لا فإنه إذا فعل بقيت العصمة عند الأصحاب لم يتشعب منها شيء وصحت البتة ومقتضى هذا الحد وسقوط النسب ومصتضى ما أفتيناه بإباحة العقد عليها عدم الحد ولحوق النسب فتبقى هذه المسألة مشكلة من وجوه من جهة رفع الواقع وغيره وهذه المسائل كثيرة ولو استقرأناها لطالت ولنقتصر على هذا القدر منها
وينبغي أن تعلم أنه ليس منها الفسوخ في العقود لأن الفسخ لا يرفع واقعا في نفس الأمر بل تحقق الواقع وهو ان العقد كان لا يفيد الملك في نفس الأمر ففسخنا إياه بمعنى أنا أمرنا كل واحد من المتعاقدين أن يرد ما اخذه الى الآخر فإن كان لم يقبض شيئا منعناه من القبض
وليس منها إلا قلة لأنها بيع إلا في ثلاث مسائل المرابحة وبيع الطعام قبل قبضه والشفعة فهي حيث كانت بيعا كبيع الانسان ما له بعد أن اشتراه ليس فيه رفع الواقع بل تجديد أمر لم يكن في تلك


المسائل هي كالفسخ أو عديمة الأثر البته على ما قرر من تلك المسائل الثلاث في مواطنها
وليس منها عقود المحجور عليهم لأنها كانت موقوفه ولم نقض فيها قبل الرد بل قضينا قبل الرد بأنها تستحق الرد إن رآه من له الرد وقد رآه فما ارتفع واقع
وليس منها توريث الجنين لأنا قضينا له بالإرث بعد التوقف الى حين ظهور حياته فانتهى التوقف نفسه لحصول الغاية فلم يرتفع واقعا
وليس منها تقديم الزكاة في الفطر والمال لأن المقدم منها قضينا بعدم وجوبه قبل كمال الحول ورؤية هلال الفطر فلو حال الحول ورأى الهلال قلنا أجزأ ذلك الذي لم يكن واجبا عما في الذمة من الواجب رخصة وتوسعة لأنا عقلنا معنى الزكاة وهي أن المراد بها شكر نعم الله تعالى على الأغنياء وسد خلة الفقراء والمقصود ان حاصلان بالمال المتقدم بخلاف الصلاة فإنا لم نعقل معناها فلم نتصرف فيها بإيقاعها قبل الزوال وغيره من أوقاتها وإن كنا قد أهملنا ما في الزكاة من شائبة التعبد الموجودة في مقادير نصبها وتحديد الواجب فيها ونحو ذلك فلم يجيزوا فيها كثرة التقديم بل بالشهر ونحوه وفي الفطر باليوم والثلاثة ونظير براءة الذمه مما ليس بواجب الطهارة والسترة واجبتان على المكلف للصلاة والوجوب إنما يتعلق بفعله ولو قدم ذلك الفعل قبل الوقت فتوضأ واستتر ثم دخل الوقت أجزأ المتقدم من فعله عن تجديد فعل بعد دخول الوقت ولا يقال الاستدامة كالابتداء في المذهب
فإنا نقول إنما ذلك في الأيمان لأنها أسباب للزوم الكفارة والسبب لا يشترط ان يكون فعلا للمكلف كالزوال وغيره من الأسباب والطهارة والسترة واجبتان والواجب لا بد ان يكون فعلا للمكلف


فإن قلت المعنى بأنهما واجبان أن حصولهما شرط والشرط لا يشترط فيه أن يكون فعلا للمكلف كدوران الحول في الزكاة
قلت هذا كلام حسن غير أن ظاهر كلام الأصحاب مصرح بالوجوب
وليس أيضا من رفع الواقع نقضي الأقضية حيث نقضناها لأنها كالنسوخ في العقود الباطلة فإنا إنما ننقض ما لم يستجمع للشرائط في نفس الأمر
وليس منها النصراني إذا عتق ثم دخل دار الحرب وقاتل ثم غنمناه فإنا نسترقه وليس رفعا للحرية السابقة بل تجدد بسبب آخر اقتضى رقه فهو كالطلاق بعد الزواج والزواج بعد الطلاق في المرأة الواحدة أحكام تتجدد لتجدد أسبابها ولا يبطل ما تقدم وليس من هذا الباب أيضا إزالة الملك عن الأرض بعد زوال الإحكام أو عن الماء إذا أريق في النهر بعد حوزه أو عن الصيد إذا توحش فطال هجانه بعد أصطياده أو عن الحوت إذا رجع للنهر فإنا لم نقض ببطلان الأملاك السابقة بل جددنا إباحة لتجدد سببها فهو كعود التحريم في الأجنبيه بالطلاق
وإنما البحث بيننا وبين المخالف لنا في أن الطاريء هل هو سبب يقتضي الإباحة العامة أم لا فنحن نقول به وهو لا يرى ذلك
وبالجمله فضابط مسائل الرفع إذا أردت استقراءها وتحقيقها هو أن يكون سبب له حكم شرعي فيترتب عليه ذلك الحكم ثم ترتب عليه غيره بعد أن ترتب الأول إلا أنك ترتب حكما آخر على سبب آخر من حين طرو الثاني ولا تعطفه على ما قبله أما متى عطفته على ما قبله من المسائل التي فيها رفع الواقع فيندرج في البحث سؤالا وجوابا
ولنقتصر على هذا القدر من التنبيه ونشرع في الجواب عن تلك العشرة مع المسائل المذكورة في المسألة فنقول


قاعدة مشهورة في الشريعة وهي قاعدة التقديرين فيعطى الموجود حكم المعدوم والمعدوم حكم الموجود
أما إعطاء المعدوم حكم الموجود فله في الشرع مسائل كثيرة
1 - منها إيمان الصبيان وكذلك البالغون حالة الغفلة من الايمان وكفر أطفال الكفار وبالغيهم حالى غفلتهم عن الكفر وعدالة العدول حالة الغفله
وكذلك الفسوق في الفساق والإخلاص في المخلصين والرياء في المرائين إذا تلبسوا بذلك ثم غفلوا عنه فمن مات منهم على شيء من هذه التقديرات بغته فهو عند الله تعالى كذلك ولا تخرجه للغفلة عن حكمه ومن ذلك النيات في العبادات وقد تقدمت
وكذلك العلم في العلماء والفقه في الفقهاء والعداوة في الأعداء والصداقة في الأصدقاء والحسد في الحساد حالة الغفله عن جميع ذلك فائدة قوله تعالى
ومن شر حاسد إذا حسد إنما قيد بقوله إذا حسد إشارة الى الحسد الفعلي فإن الحكمي الذي هو الحسد المقدر لا يضر المحسود وإنما يضر الحسد الفعلي فلذلك قيد بقوله إذا حسد
2 - ومن التقدير في إعطاء المعدوم حكم الموجود أن المدلس بالسرقة في العبد إذا قطع العبد في السرقة عند المشتري يقدر القطع عند البائع ويكون له الرد بغير شيء أو دنس بالرده فقتل عند المشتري بالردة يقدر القتل في يد البائع
3 - ومن ذلك الذمم إنما هي تقديرات شرعية في الأنسان تقبل الإلزام والالتزام والحقوق في الذمم مقدرات فيقدر الذهب والفضة والطعام في السلم وغيره والعروض في الذمم وهي أجسام لا يتصور


كونها في الذمم حقيقة بل تكون معدومه من الوجود كله بالضروره كمن أسلم في فاكهة لا توجد إلا في الصيف أو زهر كالورد ونحوه ويقع العقد في الشتاء فيقدر ذلك كله في الذمة
وتقدر التقديرين في عروض التجارة للزكاة وتقدر الملك في المملوكات وكذلك الرق والحرية والزوجية وهو كثير جدا حتى لا يكاد يخلو باب من أبواب الفقه منه فتأمله تجده
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام انس
مشرفة عامة لمنتدى الامل لذوي الاحتياجات الخاصة
ام انس


نقاط : 216
تاريخ التسجيل : 20/07/2011

الأمنية في إدراك النية الجزء الثاني Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمنية في إدراك النية الجزء الثاني   الأمنية في إدراك النية الجزء الثاني Emptyالخميس ديسمبر 08 2011, 17:11

كتاب شيق و مفيد

حبذا لو يقراه الجميع

شكرا جراح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأمنية في إدراك النية الجزء الثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأمنية في إدراك النية الجزء الاول
» الامنية في ادراك النية الجزء الثالث
» ابناؤنا و الصلاة الجزء الثاني
» الثواب العظيم الجزء الثاني
» السحر و الشعودة بالمغرب الجزء الثاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات بستان الزيتون :: المنتديات الإسلامية على مذهب السنة و الجماعة :: الكتب و البرامج الاسلامية-
انتقل الى: